کد مطلب:222789 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:329

وصیته لهشام بن الحکم فی العقل
بعث النبی صلی الله علیه و آله و سلم و العرب یعبدون الأصنام، و الفرس یعبدون النار و الهنود یقدسون البقر، و الیهود جعلوا له ولدا، و النصاری عبدوا الأقانیم الثلاثة - الأم و الابن و روح القدس - تعالی الله عن ذلك علواً كبیراً، لقد تطابق أهل الدنیا آنذاك علی عبادة غیر الله سبحانه و تعالی، حتی أن التاریخ یسجل أسماء بعض الذوات القلیلة ممن رفض عبادة غیر الله سبحانه و تعالی، مثل جعفر بن أبی طالب رضوان الله علیه، و أبی ذرالغفاری رحمه الله، و قیس بن ساعدة الأیادی، و ورقة بن نوفل.

لقد عطلت البشریة عقولها بعبادة غیر الله سبحانه و تعالی، فالعقل السلیم یأبی هذه المعبودات.

لقد اهتم الاسلام فی تنمیة العقل و صقله و تهذیبه، فتجد القرآن الكریم یكرر: (ان فی ذلك لأیت لقوم یعقلون) (قد بینا لكم الأیت لعلكم تعقلون).

و أخذ ینهض بهم الی العوالم العلویة: (و یتفكرون فی خلق السموات و الأرض ربنا ما خلقت هذا بطلا).

و لعل الحدیث الذی یرویه ابن شعبة عن الرسول الأعظم صلی الله علیه و اله و سلم یعطی القاری ء الكریم صورة عن اهتمام الاسلام بالعقل: أثنی قوم بحضرته علی رجل حتی ذكروا جمیع خصال الخیر، فقال رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم: كیف عقل الرجل؟

فقالوا: یا رسول الله نخبرك عنه باجتهاده فی العبادة و أصناف الخیر و تسألنا عن عقله!



[ صفحه 28]



فقال: ان الأحمق یصیب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، و انما یرتفع العباد غداً فی الدرجات، و ینالون الزلفی من ربهم علی قدر عقولهم [1] .

و الأحادیث كثیرة عن الصادقین صلوات الله علیهم فی العقل و ثواب أهله، و نسجل فی هذه الصفحات كلام الامام موسی بن جعفر صلی الله علیه و آله و سلم مع هشام بن الحكم رضوان الله علیه فی ذلك:

قال هشام بن الحكم: قال لی موسی بن جعفر علیه السلام: یا هشام ان الله تبارك و تعالی بشر أهل العقل و الفهم فی كتابه فقال: (فبشر عباد الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه أولئك الذین هدئهم الله و أولئك هم أولوا الألبب).

یا هشام ان الله تبارك و تعالی أكمل للناس الحجج بالعقول و نصر النبیین بالبیان، و دلهم علی ربوبیته بالأدلة، فقال: (ان فی خلق السموات و الأرض و اختلف الیل و النهار و الفلك التی تجری فی البحر بما ینفع الناس و ما أنزل الله من السمآء من مآء فأحیا به الأرض بعد موتها و بث فیها من كل دآبة و تصریف الریح و السحاب المسخر بین السمآء و الأرض لأیت لقوم یعقلون).

یا هشام قد جعل الله ذلك دلیلاً علی معرفته بأن لهم مدبراً، فقال (و سخر لكم الیل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرت بأمره ان فی ذلك لأیت لقوم یعقلون) و قال: (هو الذی خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم یخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شیوخاً و منكم من یتوفی من قبل و لتبلغوا أجلاً مسمی و لعلكم تعقلون) و قال: (و اختلف الیل و النهار و ما أنزل الله من السمآء من رزق فأحیا به الأرض بعد موتها و تصریف الریح ءایت لقوم یعقلون) و قال: (یحی الأرض بعد موتها قد بینا لكم الأیت لعلكم تعقلون) و قال: (و جنت من أعنب وزرع و نخیل صنوان و غیر صنوان یسقی بمآء وحد و نفضل بعضها علی بعض فی الأكل ان فی ذلك لأیت لقوم یعقلون) و قال: (و من ءایته یریكم البرق خوفاً و طمعاً و ینزل من السماء مآء فیحی به الأرض



[ صفحه 29]



بعد موتها ان فی ذلك لأیت لقوم یعقلون) و قال: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم علیكم ألا تشركوا به شیئاً و بالولدین احسناً و لا تقتلوا أولدكم من املق نحن نرزقكم و ایاهم و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لا تقتلوا النفس التی حرم الله الا بالحق ذلكم وصكم به لعلكم تعقلون) و قال: (هل لكم من ما ملكت أیمنكم من شركاء فی ما رزقنكم فأنتم فیه سوآء تخافونهم كخیفتكم أنفسكم كذلك نفصل الأیت لقوم یعقلون).

یا هشام ثم وعظ أهل العقل و رغبهم فی الآخرة، فقال: (و ما الحیوة الدنیا الا لعب و لهو و للدار الأخرة خیر للذین یتقون أفلا تعقلون).

یا هشام ثم خوف الذین لا یعقلون عقابه فقال تعالی: (ثم دمرنا الأخرین و انكم لتمرون علیهم مصبحین و بالیل أفلا تعقلون) و قال: (انا منزلون علی أهل هذه القریة رجزاً من السمآء بما كانوا یفسقون و لقد تركنا منهآ ءایة بینة لقوم یعقلون).

یا هشام ان العقل مع العلم فقال: (و تلك الأمثل نضربها للناس و ما یعقلهآ الا العلمون).

یا هشام ثم ذم الذین لا یعقلون فقال: (و اذا قیل لهم اتبعوا مآ أنزل الله قالوا بل نتبع مآ ألفینا علیه ءابآءنآ أولو كان ءابآؤهم لا یعقلون شیئاً و لا یهتدون) و قال: (و مثل الذین كفروا كمثل الذی ینعق بما لا یسمع الا دعآء و ندآء صم بكم عمی فهم لا یعقلون) و قال: (و منهم من یستمعون الیك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا یعقلون) و قال: (أم تحسب أن أكثرهم یسمعون أو یعقلون ان هم الا كالأنعم بل هم أضل سبیلاً) و قال: (لا یقتلونكم جمیعاً الا فی قری محصنة أو من ورآء جدر بأسهم بینهم شدید تحسبهم جمیعاً و قلوبهم شتی ذلك بأنهم قوم لا یعقلون) و قال: (و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتب أفلا تعقلون).

یا هشام ثم ذم الله الكثرة فقال: (و ان تطع أكثر من فی الأرض یضلوك عن سبیل الله) و قال: (و لئن سألتهم من خلق السموات و الأرض لیقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا یعلمون) و قال: (و لئن سألتهم من نزل من السمآء مآء فأحیا به الأرض من بعد



[ صفحه 30]



موتها لیقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا یعقلون).

یا هشام ثم مدح القلة فقال: (و قلیل من عبادی الشكور) و قال: (و قلیل ما هم) و قال: (و قال رجل مؤمن من ءال فرعون یكتم ایمنه أتقتلون رجلا أن یقول ربی الله) و قال: (و من ءامن و مآ ءامن معه الا قلیل) و قال: (و لكن أكثرهم لا یعلمون) و قال: (و أكثرهم لا یعقلون) و قال: (و هم لا یشعرون).

یا هشام ثم ذكر أولی الألباب بأحسن الذكر، و حلاهم بأحسن الحلیة، فقال: (یؤتی الحكمة من یشآء و من یؤت الحكمة فقد أوتی خیراً كثیراً و ما یذكر الآ أولوا الألبب) و قال: (و الرسخون فی العلم یقولون ءامنا به كل من عند ربنا و ما یذكر الآ أولوا الألبب) و قال: (ان فی خلق السموات و الأرض و اختلف الیل و النهار لأیت لأولی الألبب) و قال: (أفمن یعلم أنما أنزل الیك من ربك الحق كمن هو أعمی انما یتذكر أولوا الألبب) و قال: (أمن هو قنت ءانآء الیل ساجداً و قآئماً یحذر الأخرة و یرجوا رحمة ربه قل هل یستوی الذین یعلمون و الذین لا یعلمون انما یتذكر أولوا الألبب) و قال: (كتب أنزلنه الیك مبرك لیدبروا ءایته و لیتذكر أولوا الألبب) و قال: (و لقد ءاتینا موسی الهدی و أورثنا بنی اسرءیل الكتب هدی و ذكری لأولی الألبب) و قال: (و ذكر فان الذكری تنفع المؤمنین).

یا هشام ان الله تعالی یقول فی كتابه: (ان فی ذلك لذكری لمن كان له قلب) یعنی عقل، و قال: (و لقد ءاتینا لقمن الحكمة) قال: الفهم و العقل.

یا هشام ان لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس، و أن الكیس لدی الحق یسیر، یا بنی ان الدنیا بحر عمیق قد غرق فیها عالم كثیر، فلتكن سفینتك فیه تقوی الله، و حشوها الایمان، و شراعها التوكل، و قیمها العقل، و دلیلها العلم، و سكانها الصبر.

یا هشام ان لكل شی ء دلیلاً و دلیل العقل التفكر، و دلیل التفكر الصمت و لكل شی ء مطیة؛ و مطیة العقل التواضع و كفی بك جهلاً أن تركب ما نهیت عنه.



[ صفحه 31]



یا هشام ما بعث الله أنبیاءه و رسله الی عباده الا لیعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، و أعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً، و أكملهم عقلاً أرفعهم درجة فی الدنیا و الآخرة.

یا هشام ان لله علی الناس حجتین: حجة ظاهرة و حجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل و الأنبیاء و الأئمة، و أما الباطنة فالعقول.

یا هشام ان العاقل الذی لا یشغل الحلال شكره، و لا یغلب الحرام صبره، یا هشام من سلط ثلاثاً علی ثلاث فكأنما أعان علی هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله، و محا طرائف حكمته بفضول كلامه، و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه علی هدم عقله، و من هدم عقله أفسد علیه دینه و دنیاه.

یا هشام كیف یزكو عندالله عملك و أنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك، و أطعت هواك علی غلبة عقلك.

یا هشام الصبر علی الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنیا و الراغبین فیها، و رغب فیما عند الله، و كان الله أنسه فی الوحشة، و صاحبه فی الوحدة، و غناه فی العیلة، و معزه من غیر عشیرة.

یا هشام نصب الخلق لطاعة الله، و لا نجاة الا بالطاعة و الطاعة بالعلم، و العلم بالتعلم، و التعلم بالعقل، و لا علم الا من عالم ربانی، و معرفة العلم بالعقل.

یا هشام قلیل العمل من العالم مقبول مضاعف، و كثیر العمل من أهل الهوی و الجهل مردود.

یا هشام ان العالم رضی بالدون من الدنیا مع الحكمة، و لم یرض بالدون من الحكمة مع الدنیا، فلذلك ربحت تجارتهم.

یا هشام ان العقلاء تركوا فضول الدنیا فكیف الذنوب، و ترك الدنیا من الفضل، و ترك الذنوب من الفرض.

یا هشام ان العاقل نظر الی الدنیا و الی أهلها فعلم أنها لا تنال الا بالمشقة، و نظر الی الآخرة فعلم أنها لا تنال الا بالمشقة، فطلب بالمشقة أبقاهما.



[ صفحه 32]



یا هشام ان العقلاء زهدوا فی الدنیا و رغبوا فی الآخرة؛ لأنهم علموا أن الدنیا طالبة مطلوبة، و الآخرة طالبة و مطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنیا حتی یستوفی منها رزقه، و من طلب الدنیا طلبته الآخرة فیأتیه الموت فیفسد علیه دنیاه و آخرته.

یا هشام من أراد الغنی بلا مال، و راحة القلب من الحسد، و السلامة فی الدین فلیتضرع الی الله عزوجل فی مسألته بأن یكمل عقله، فمن عقل قنع بما یكفیه، و من قنع بما یكفیه استغنی، و من لم یقنع بما یكفیه لم یدرك الغنی أبداً.

یا هشام ان الله حكی عن قوم صالحین أنهم قالوا: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هدیتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب) حین علموا أن القلوب تزیغ و تعود الی عماها ورداها.

انه لم یخف الله من لم یعقل عن الله، و من لم یعقل عن الله لم یعقد قلبه علی معرفة ثابتة یبصرها و یجد حقیقتها فی قلبه، و لا یكون أحد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدقاً، و سره لعلانیته موافقاً، لأن الله تبارك اسمه لم یدل علی الباطن الخفی من العقل الا بظاهر منه، و ناطق عنه.

یا هشام كان أمیرالمؤمنین علیه السلام یقول: ما عبدالله بشی ء أفضل من العقل، و ما تم عقل امری ء حتی یكون فیه خصال شتی: الكفر و الشرك منه مأمونان، و الرشد و الخیر منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مكفوف، و نصیبه من الدنیا القوت، لا یشبع من العلم دهره، الذل أحب الیه مع الله من العز مع غیره، و التواضع أحب الیه من الشرف، یستكثر قلیل المعروف من غیره، و یستقل كثیر المعروف من نفسه، و یری الناس كلهم خیراً منه، و أنه شرهم فی نفسه، و هو تمام الأمر.

یا هشام ان العاقل لا یكذب و ان كان فیه هواه.

یا هشام لا دین لمن لا مروة له، و لا مروة لمن لا عقل له، و ان أعظم الناس قدراً الذی لا یری الدنیا لنفسه خطراً، أما ان أبدانكم لیس لها ثمن الا الجنة، فلا تبیعوها بغیرها.

یا هشام ان أمیرالمؤمنین علیه السلام كان یقول: ان من علامة العاقل أن یكون فیه



[ صفحه 33]



ثلاث خصال: یجیب اذا سئل، و ینطق اذا عجز القوم عن الكلام، و یشیر بالرأی الذی یكون فیه صلاح أهله، فمن لم یكن فیه من هذه الخصال الثلاث شی ء فهو أحمق.

ان أمیرالمؤمنین علیه السلام قال: لا یجلس فی صدر المجلس الا رجل فیه هذه الخصال الثلاث أو واحدة منهن، فمن لم یكن فیه شی ء منهن فجلس فهو أحمق.

و قال الحسن بن علی صلی الله علیه و آله و سلم: اذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها.

قیل: یا ابن رسول الله و من أهلها؟

قال: الذین قص الله فی كتابه و ذكرهم فقال: (انما یتذكر أولوا الألبب) قال: هم أولوا العقول.

و قال علی بن الحسین صلی الله علیه و آله و سلم: مجالسة الصالحین داعیة الی الصلاح، و آداب العلماء زیادة فی العقل، و طاعة ولاة العدل تمام العز، و استثمار المال تمام المروة، و ارشاد المستشیر قضاء لحق النعمة، و كف الأذی من كمال العقل و فیه راحة البدن عاجلا أو آجلا.

یا هشام ان العاقل لا یحدث من یخاف تكذیبه، و لا یسأل من یخاف منعه، و لا بعد ما لا یقدر، و لا یرجو ما یعنف برجائه، و لا یقدم علی ما یخاف فوته بالعجز عنه [2] .



[ صفحه 34]




[1] تحف العقول 44.

[2] أصول الكافي 1 / 20.